الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد.
الشروط المتفق عليها بين الفقهاء:
من الشروط المتفق عليها بين الفقهاء لصحة الطواف: الإسلام، والعقل، والنية، وهذه الشروط يذكرها بعض الفقهاء(1) في شروط الطواف، وهي شروط عامة تشترط لكل عبادة وليست خاصة بالطواف، ولا شك أنها معتبرة له لأنه عبادة.
فالإسلام شرط أساسي فالمشرك لا يقبل منه أيّ عمل ما دام على شركه لقوله تعالى: "وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً" (الفرقان:23).
والطواف عبادة تحتاج إلى نية التقرب إلى تعالى والمشرك لا نية له في التقرب ثم إنّ المشرك أيضاً ممنوع من دخول الحرم، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا" (التوبة: من الآية28).
وأما اشتراط العقل فلأن العقل مناط التكليف، والمجنون ليس مكلفاً بفروض الدين لما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وغيرهم عن حماد بن سلمة، عن حماد "وهو ابن أبي سفيان" عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة _رضي الله عنها_ أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال: "رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن المبتلى حتى يبرأ وعن الصبي حتى يكبر" وفي رواية (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق وعن الصغير حتى يبلغ)(2).
وأما ما ذكره العلماء من اشتراط النية للطواف أو لأيّ عبادة، فلأن مدار أي عمل عليها لما جاء في الصحيحين عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"(3).
هذه هي الشروط العامة لكل عبادة والمتفق عليها بين العلماء وهي معتبرة لصحة الطواف وهناك شروط أخرى متفق عليها بين فقهاء المذاهب خاصة بالطواف وهي:
الشرط الأول: أن يكون الطواف حول الكعبة المشرفة، قال تعالى: "ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ" (الحج:29)، وقد طاف _صلى الله عليه وسلم_ حول البيت وقال: "لتأخذوا عني مناسككم"(4) الحديث رواه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وغيرهم.
الشرط الثاني: أن يكون الطواف حول البيت داخل المسجد الحرام ولو بعيداً عنه حيث يجوز الطواف في أخريات المسجد ولو في أروقته وعند بابه من داخله وعلى أسطحته، وكل توسعة في الحرم داخلة فيه فيصح الطواف في جمعية لكن لا بد وأن يكون الطواف داخله فلا يصح خارجه.
قال النووي: واتفقوا على أن لو طاف خارج المسجد لم يصح طوافه بحال(5)، انتهى.
قلت: والدليل على ذلك فعله _صلى الله عليه وسلم_ مع قوله فقد طاف عليه الصلاة والسلام داخل المسجد الحرام وقد قال: "لتأخذوا عني مناسككم" الحديث.
الشرط الثالث: دخول وقت الطواف إذا كان له وقت معين وذلك كطواف الإفاضة فإنه لا بد في صحته من دخول وقته، واشتراط دخول الوقت محل إجماع بين الفقهاء إنما اختلفوا فيما بينهم في ابتداء وقته وقد تقدم تفصيله بما يغني عن إعادته هنا في مبحث ابتداء وقت طواف الإفاضة.
الشرط الرابع: أن يكون الطواف من وراء الحِجْر(6)؛ لأن الحِجْر من الكعبة فلو طاف من داخل الحجر ما صح طوافه؛ لأن النبي _صلى الله عليه وسلم_ كان يطوف من ورائه.
وقد جاء في الصحيحين من حديث عائشة _رضي الله عنها_ أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال لها: "ألم تَرَيْ أن قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا على قواعد إبراهيم؟ فقلت: يا رسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم. قال: لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت"، فقال عبد الله _رضي الله عنه_: لئن كانت عائشة _رضي الله عنها_ سمعت هذا من رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ما أرى رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ترك استلام الركنين اللذين يليان الحِجْر إلا أنّ البيت لم يُتَمَمْ على قواعد إبراهيم.
وفي رواية لهما عنها قالت: سألت النبي _صلى الله عليه وسلم_ عن الجَدْر أمن البيت هو؟ قال: نعم. قلت: فما لهم لم يدخلوه في البيت؟ قال: إن قومك قصرت بهم النفقة، قلت: فما شأن بابه مرتفعاً؟ قال: فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاؤا ويمنعوا من شاؤوا، ولولا أن قومك حديث عهدهم بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجَدْر في البيت وأن ألصق بابه بالأرض(7).
وفي رواية لمسلم عنها أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال لها: "لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية (أو قال بكفر) لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله ولجعلت بابها بالأرض ولأدخلت فيها الحِجْر"، وفي رواية (وزدت فيها ستة أذرع من الحجر)، وفي رواية (لكنت أدخلت من الحِجْر خمسة أذرع)، وفي رواية أنه _صلى الله عليه وسلم_ قال لها: "فهلمي لأريك ما تركوا منه فأراها قريباً من سبعة أذرع"(8).
ذا وقد اشترط المالكية والشافعية والحنابلة(9) وجمهور العلماء أن يكون الطواف أيضاً من وراء الشاذروان.
شروط الطواف المختلف فيها بين الفقهاء:
الأول: اشتراط تعيين نية الطواف حال وجوده في وقته(10):
اختلف الفقهاء رحمهم الله في اشتراط تعيين نية الطواف على قولين:
القول الأول: أن تعيين النية شرط وهو قول أحمد ووجه في مذهب الشافعي، وقال به أبو ثور وإسحاق وابن المنذر وابن القاسم من أصحاب مالك(11).
وقد استدلوا على ذلك بعموم قوله _صلى الله عليه وسلم_: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"(12)، قالوا ولأن النبي _صلى الله عليه وسلم_ سماه صلاة والصلاة لا تصح إلا بالنية اتفاقاً قالوا ولأنها عبادة تفتقر إلى البيت فافتقرت إلى النية كركعتي المقام(13).
القول الثاني: أن تعيين النية ليس بشرط وهو قول الحنفية والأصح في مذهب الشافعي(14) وبه قال الثوري.
وقد استدلوا بأن تعيين نية الطواف حال وجوده في وقته لا حاجة إليه، قالوا وحتى لو نفر في النفر الأول فطاف وهو لا يعين طوافاً، يقع عن طواف الزيارة لا عن الصدر لأن أيام النحر متعينة لطواف الزيارة فلا حاجة إلى تعيين النية كما لو صام رمضان بمطلق لنية أنه يقع عن رمضان لكون الوقت متعيناً لصومه كذا هذا، وكذا لو نوى تطوعاً يقع عن طواف الزيارة كما لو صام رمضان بنية التطوع وكذلك كل طواف واجب أو سنة يقع في وقته من طواف اللقاء وطواف الصدر فإنما يقع عما يستحقه الوقت وهو الذي انعقد عليه الإحرام دون غيره سواء عين ذلك بالنية أو لم يعين فيقع عن الأول وإن نوى الثاني لا يعمل بنيته في تقديمه على الأول حتى إن المحرم إذا قدم مكة وطاف لا يعين شيئاً أو نوى التطوع، فإن كان محرماً بعمرة يقع طوافه للعمرة وإن كان محرماً بحجة يقع طوافه للقدوم لأن عقد الإحرام انعقد عليه، وكذلك القارن إذا طاف لا يعين شيئاً أو نوى التطوع كان ذلك للعمرة فإن طاف طوافاً آخر قبل أن يسعى لا يعين شيئاً أو نوى تطوعاً كان للحج(15).
الترجيح:
يترجح لي والعلم عند الله تعالى التفصيل في هذا وهو عدم اشتراط تعيين النية عند الطواف فيما إذا كان طواف فرض، فإذا أهل بعمرة فإن نية الإحرام بها كافية، فينصرف طوافه إلى ما هو ركن فيها وهو طوافها، بشرط أن لا ينوبه التطوع، فإن نواه فلا يصح عن الفرض، وكذا إذا أهل بحج أو به مع العمرة فطاف في أيام النحر وقع عن طواف الفرض ما لم ينو به التطوع أو الوداع فيما إذا كان طوافه عند انصرافه، فإن نوى به غير الفرض لم يصح طوافه عن الفرض وذلك لعموم قوله _صلى الله عليه وسلم_: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" وهذا قد نوى غير ما فعل فينصرف إلى ما نواه، والله أعلم.
الثاني: اشتراط ستر العورة:
اختلف الفقهاء رحمهم الله في اشتراط ستر العورة في الطواف على قولين:
القول الأول: أنه شرط وبه قال المالكية والشافعية والحنابلة(16) وجمهور العلماء.
القول الثاني: أنه واجب وليس بشرط وهو قول الحنفية(17).
الأدلة:
أدلة القول الأول: استدل أهل القول الأول بما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما واللفظ لمسلم عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال: بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمَّرَه عليها رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر "لا(18) يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان"(19).
كما استدلوا بما رواه ابن حبان والترمذي والحاكم عن ابن عباس أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "الطواف بالبيت صلاة"(20) وستر العورة من شرائط صحة الصلاة بالإجماع فيكون شرطاً لصحة الطواف.
واستدلوا أصحاب القول الثاني وهو الحنفية على أن ستر العورة في الطواف ليس بشرط وإنما هو واجب بعموم قوله تعالى: "وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ" (الحج: من الآية29)، قالوا فأمر بالطواف مطلقاً عن شرط الستر فيجري على إطلاقه.
قالوا والنهي عن الطواف عرياناً إنما هو نهي لمكان الطواف وإذا كان كذلك تمكن فيه النقص فيجب جبره بالدم لكن بالشاة لا بالبدنة لأن النقص فيه كالنقص بالحدث لا كالنقص بالجنابة وأجابوا عن الاستدلال بحديث "الطواف بالبيت صلاة" أنه محمول على التشبيه كما في قوله تعالى: "وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ" (الأحزاب: من الآية6) أي كأمهاتهم، ومعناه الطواف كالصلاة إما في الثواب أو في أصل الفرضية في طواف الزيارة لأن كلام التشبيه لا عموم له فيحمل على المشابه في بعض الوجوه عملاً بالكتاب والسنة، أو نقول الطواف يشبه الصلاة وليس بصلاة حقيقة(21).
الترجيح:
يترج لي والعلم عند الله تعالى القول باشتراط ستر العورة في الطواف لنهيه _صلى الله عليه وسلم_ عن طواف العريان، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه ويعضد هذا حديث "الطواف بالبيت صلاة".
أما استدلال الحنفية بعموم قوله تعالى: "وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ" (الحج: من الآية29)، فالجواب عنه أن الآية عامة ليس فيها دلالة على محل النزاع بينما قوله _صلى الله عليه وسلم_: "ولا يطوف بالبيت عريان" نص في محل النزاع.
ومما يستدل به أيضاً على وجوب ستر العورة في الطواف قوله تعالى: "يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ" (الأعراف: من الآية31).
قال ابن جرير الطبري بسنده عن ابن عباس: إن النساء كن يطفن بالبيت عراة، وقال في موضع آخر: بغير ثياب إلا أن تجعل المرأة على فرجها خرقة فيما وصف إن شاء الله.
وتقول:
اليوم يبدوا بعضُه أو كلُّه فما بدا منه فلا أُحلُّه
قال فنزلت هذه الآية: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (الأعراف: من الآية31)، وفي رواية كانوا يطوفون عراة الرجال بالنهاء والنساء بالليل(22).
الثالث: اشتراط تكميل سبعة أشواط:
اختلف الفقهاء رحمهم الله في اشتراط تكميل سبعة أشواط على قولين:
القول الأول: أنه يشترط ذلك في صحة الطواف.
وهو قول المالكية والشافعية والحنابلة وجمهور العلماء(23).
القول الثاني: لا يشترط ذلك وهو قول الحنفية حيث رأوا أن القدر المفروض هو أكثر الأشواط، وأما الإكمال فواجب وليس بشرط(24).
الأدلة:
أدلة القول الأول:
استدل الجمهور على أنه يشترط لصحة الطواف إكمال سبعة أشواط بما رواه البخاري ومسلم(25) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قدم النبي _صلى الله عليه وسلم_ فطاف بالبيت سبعاً وصلى خلف المقام ركعتين ثم خرج إلى الصفا وقد قال الله تعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ" (الأحزاب: من الآية21).
وروى البخاري ومسلم أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثاً ومشى أربعاً(26).
وجه الدلالة من الأحاديث السابقة:
أن الرسول _صلى الله عليه وسلم_ طاف سبعاً، وقد قال _صلى الله عليه وسلم_: "لتأخذوا مناسككم إني لا أدري لعلّي لا أحج بعد حجتي هذه"(27).
أدلة القول الثاني:
استدل الحنفية لقولهم بعدم اشتراط السبعة الأشواط: بأن المقدار المفروض من الطواف هو أكثر أشواطه وهو ثلاثة أشواط وأكثر الشوط الرابع، قالوا والإكمال واجب(28) وليس بفرض ولأن الأكثر يقوم مقام الكل فيما يقع به التحلل في باب الحج كالذبح إذا لم يستوف قطع العروق الأربعة.
كما استدلوا بعموم قوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: من الآية29).
وجه الدلالة: هو أنهم قالوا بأن الأمر بالطواف مطلق، والأمر المطلق لا يقتضي التكرار إلا أن الزيادة على المرة الواحدة إلى أكثر الأشواط ثبت بدليل آخر وهو الإجماع ولا إجماع في الزيادة على أكثر الأشواط.
وأجابوا عن ما ثبت عنه _صلى الله عليه وسلم_ بقوله وفعله من إكمال الطواف بسبعة أشواط باحتمال أن يكون ذلك التقدير للإتمام ويحتمل أن يكون للاعتداد به فيثبت فيه القدر المتيقن، وهو أن يجعل ذلك شرط الإتمام(29).
الترجيح:
يترجح لي والعلم عند الله تعالى القول باشتراط سبعة أشواط لصحة الطواف، ذلك أنه ثبت عنه _صلى الله عليه وسلم_ بفعله أنه طاف سبعاً مع قوله: "لتأخذوا مناسككم" هذا واستدلال الحنفية بقوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: من الآية29) وما ذكروه من وجه الدلالة منها غير مسَلَّم به.
الرابع: حكم اشتراط الابتداء بالحجر الأسود في الطواف:
اختلف الفقهاء رحمهم الله في حكم اشتراط الافتتاح بالحجر الأسود على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه شرط وبه قال محمد بن الحسن من الحنفية(30)، وقد ذكره من جملة شروط صحة الطواف ابن جزي(31) من المالكية والمرداوي(32) والبهوتي(33) من الحنابلة.
القول الثاني: أن البدء بالحجر الأسود ليس بشرط بل هو سنة حتى لو اتبدأ من غير عذر أجزأه مع الكراهة وهذا ظاهر مذهب الحنفية(34).
القول الثالث: يجب ابتداء الطواف من الحجر الأسود، فإن ابتدأ من دون الركن كمن الباب مثلاً أو ما بعده لم يعتد بذلك الشوط فإذا وصل الحجر كان ذلك ابتداء طوافه فإن اعتد بالشوط الأول لم يصح طوافه.
وهذا هو مذهب الشافعية بل قال النووي إنه لا خلاف عندهم في ذلك(35) وقد نص على هذا ابن قدامة في المغني(36).
الأدلة:
استدل القائلون باشتراط الافتتاح بالحجر الأسود وكذا القائلون بالوجوب بما جاء في الصحيحين عن ابن شهاب أن سالم بن عبد الله أخبره أن عبد الله بن عمر قال: رأيت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ حين يقدم مكة إذا استلم الركن الأسود أول ما يطوف حين يقدم يخب ثلاثة أطواف من السبع(37).
وبما رواه مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "رمل رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ من الحجر إلى الحجر ثلاثاً ومشى أربعاً".
وروى مسلم أيضاً عن جابر بن عبد الله أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ "رمل الثلاثة أطواف من الحجر إلى الحجر"(38).
فهذه الأحاديث وما في معناها تدل دلالة واضحة على أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ كان يبتدأ طوافه من الحجر الأسود، وقد قال: "لتأخذوا عني مناسككم".
واستدل القائلون بسنية الابتداء بالحجر الأسود وهم الحنفية بقوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: من الآية29).
وجه الدلالة لهم هو أنهم قالوا إن الآية جاءت مطلقة عن شرط الابتداء بالحجر الأسود فيصح سن أي موضع.
قلت وقد تقدم فيما مضى مناقشة وجه استدلالهم بالآية بما يغني عن إعادته هنا، هذا وقد قالوا بصحة الطواف ولو أنه ابتدأه من غير الحَجَر، بناءً على رأيهم من أنه لا يشترط في الطواف إكمال سبعة الأشواط.
الترجيح:
قلت ويترجح لي والعلم عند الله تعالى القول بوجوب الابتداء بالحجر الأسود للأدلة الثابتة عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ والتي تقدم بعضها بأنه كان يبتدأ منه، لكن إن ابتدأ الطائف من غير الحجر لم يعتد بما فعله قبله ولو كان أكثر الشوط حتى يصل إلى الحجر الأسود، فإذا وصله كان ذلك أول طوافه، فإن أكمل سبعة أشواط غير الشوط الذي ابتدأه من غير الحجر صح طوافه، وإن احتسب بالأول فلم يطف بعده إلا ستة أشواط لم يصح لنقصه عن السبعة الأشواط، وقد قلنا فيما سبق إن القول الذي تسانده الأدلة هو اشتراط إكمال سبعة أشواط لصحة الطواف وهو قول جماهير أهل العلم ما عدا الحنفية.
الخامس: اشتراط جعل البيت عن يسار الطائف:
اختلف الفقهاء رحمهم الله في اشتراط جعل البيت عن يسار الطائف لصحة الطواف على قولين:
القول الأول: أنه شرط لصحة الطواف وبه قال المالكية والشافعية والحنابلة وجمهور العلماء(39).
والقول الثاني: عدم اشتراط ذلك وبه قال الحنفية(40).
الأدلة: استدل القائلون باشتراط جعل البيت عن اليسار في الطواف بما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً(41).
وجه الدلالة: أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ لما طاف جعل البيت عن يساره ثم مشى على يمينه وقد قال: "لتأخذوا مناسككم".
كما استدلوا بأنها عبادة تتعلق بالبيت فاستحق فيها الترتيب كالصلاة(42)، وبيان ذلك أنه لو صلى منكوساً بأن بدأ بالتشهد لا يجزيه فكذلك الطواف.
واستدل الحنفية على عدم اشتراط جعل البيت عن يسار الطائف بعموم قوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: من الآية29)، قالوا فالآية مطلقة من غير شرط البداية باليمين أو باليسار، قالوا فالثابت بالنص الدوران حول البيت وذلك حاصل من أي جانب أخذ، ولكن بفعل النبي _صلى الله عليه وسلم_ حين أخذ على يمينه على باب الكعبة تبين أن الواجب هذا فكانت هذه صفة واجبة في هذا الركن بمنزلة شرط الطهارة عندنا فتركه لا يمنع الاعتداد به، ولكن فيه نقصاً يجبر بالدم، وهذا لأن المعنى فيه معقول وهو تعظيم البقعة وذلك حاصل من أي جانب أخذ، فعرفنا أن فعل النبي _صلى الله عليه وسلم_ في البداية بالجانب الأيمن لبيان صفة الإتمام لا لبيان صفة الركنية(43).
الترجيح:
يترجح لي والعلم عند الله تعالى القول باشتراط جعل البيت عن يسار الطائف لثبوت ذلك عنه _صلى الله عليه وسلم_ بفعله مع قوله: "لتأخذوا عني مناسككم".
أما استدلال الحنفية بقوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: من الآية29) وقولهم إنها مطلقة ليس فيها شرط البداية من اليسار أو اليمين... إلخ، فالجواب عنه أن الرسول _صلى الله عليه وسلم_ الذي أنزل عليه القرآن ليبين للناس ما نزّل إليهم قد بيّن كيفية الطواف، ومن ذلك جعل البيت عن اليسار، وقد فعل ذلك أصحابه من بعده وتوارثه الخلف عن السلف، هذا وما ذكروه من التوجيه والتعليل على فرض التسليم به لا يقوى على دفع فعل النبي _صلى الله عليه وسلم_ مع قوله: "لتأخذوا عني مناسككم" والله أعلم.
السادس: حكم اشتراط الموالاة(44) في الطواف:
اختلف الفقهاء رحمهم الله في اشتراط الموالاة في الطواف على قولين:
القول الأول: أنها شرط وإليه ذهب المالكية والحنابلة وهو وجه عند الشافعية(45).
القول الثاني: أنها ليست بشرط وإليه ذهب الحنفية والشافعية في الأصح عندهم وهو رواية عند الحنابلة(46) إذا كان لعذر(47).
هذا وقد استدل المشترطون للموالاة بأن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قد والى بين طوافه وقال: "لتأخذوا عني مناسككم" رواه مسلم وتقدم.
كما استدلوا بأن الطواف بالبيت صلاة فيشترط له الموالاة كسائر الصلوات أو بأنها عبادة متعلقة بالبيت فاشترطت لها الموالاة كالصلاة(48).
واستدل القائلون بأن الموالاة ليست بشرط بعموم قوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: من الآية29)، قالوا فالآية مطلقة من غير شرط الموالاة.
كما استدلوا بأن النبي _صلى الله عليه وسلم_ خرج من الطواف ودخل السقاية فاستسقى فسقي فشرب ثم عاد وبنى على طوافه(49) _صلى الله عليه وسلم_(50).
الترجيح:
قلت: والذي يترجح لي أن المشروع هو مواصلة ما بين الأشواط لفعله _صلى الله عليه وسلم_ مع قوله: "لتأخذوا عني مناسككم" وبناءً على هذا فلو قطع الطواف بفصل طويل، أو لغير عذر من ضرورة أو حاجة فإن عليه أن يستأنف الطواف.
وقال النووي: الموالاة بين الطوافات سنة مؤكدة ليست بواجبة على الأصح(51).
السابع: اشتراط المشي في الطواف مع عدم العذر:
اتفق العلماء رحمهم الله على صحة طواف الراكب إذا كان له عذر، قال ابن قدامة في المغني: (لا نعلم خلافاً في صحة طواف الراكب إذا كان له عذر)(52).
وقال الباجي في المنتقى: (وأما جواز الطواف للراكب والمحمول للعذر فلا خلاف فيه نعلمه)(53).
واختلفوا في حكم المشي في الطواف مع عدم العذر على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن المشي في الطواف مع عدم العذر شرط لصحة الطواف، وهو قول في مذهب المالكية والمشهور عند الحنابلة(54).
والقول الثاني: أنه واجب يجبر بدم وهذا مذهب الحنفية والمشهور من مذهب مالك وهو رواية عن أحمد(55).
والقول الثالث: أنه سنة لا يجب فيه شيء، وهذا مذهب الشافعية، وهو رواية عند الحنابلة(56).
الأدلة:
استدل القائلون باشتراط المشي في الطواف مع عدم العذر بأن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: الطواف بالبيت صلاة(57) كما استدلوا بأنها عبادة تتعلق بالبيت فلم يجز فعلها راكباً لغير عذر كالصلاة(58).
كما استدل القائلون بوجوب المشي في الطواف مع عدم العذر وأنه إن ركب فعليه دم، بأن المشي واجب في الطواف فإذا ترك ذلك فقد ترك من نسكه واجباً فكان عليه الدم(59).
قالوا والمتوارث من لدن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ إلى يومنا هذا هو الطواف ماشياً، وهذا على قول من يجعله كالصلاة لأن أداء المكتوبة راكباً من غير عذر لا يجوز فكان ينبغي أن لا يعتد بطواف الراكب من غير عذر، ولكنا نقول المشي شرط الكمال فيه فتركه من غير عذر يوجب الدم(60).
واستدل القائلون بأن المشي في الطواف سنة لا يجب بتركه شيء بأدلة منها: ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ طاف بالبيت وهو على بعير كلما أتى على الركن أشار إليه بشيء في يده وكبّر(61).
وجه الدلالة: من الأحاديث السابقة لهذا القول ظاهرة وهو أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ طاف راكباً، قالوا وفعله _صلى الله عليه وسلم_ لبيان الجواز.
ثمرة الخلاف:
ثمرة الخلاف ظاهرة وهي أن من قال باشتراط المشي في الطواف مع عدم العذر فإنهم يرون عدم صحة الطواف في حالة الركوب بل عليه أن يعيد الطواف.
ومن قال: بأنه واجب فقالوا عليه أن يعيد الطواف ما دام بمكة فإن رجع إلى أهله فعليه دم مستدلين بحديث: من ترك نسكاً فليهرق دماً(62).
ومن قال بأنه سنة لا شيء عليه.
الترجيح:
قلت والذي يترجح لي والعلم عند الله تعالى أن الأولى هو الطواف ماشياً مع عدم العذر أو الحاجة، فإن طاف راكباً فالأولى أيضاً أن يعيده خروجاً من خلاف من اشترط المشي لصحة الطواف أو أوجبه مع عدم العذر أو الحاجة، ولما جاء من الأدلة على أن ركوبه _صلى الله عليه وسلم_ في الطواف إنما كان لعذر المرض كما في رواية أبي داود أو للحاجة كما في روايات مسلم ليراه الناس وليتشرف أو ليسألوه أو لكراهته أن يضرب الناس عنه.
فإن لم يعد الطواف سواء خرج من مكة أو لم يخرج فقد خالف الأولى وترك الكمال وليس عليه شيء لأن إيجاب الدم عليه يحتاج إلى دليل ولا دليل فيما أعلمه والاستدلال بحديث: من ترك نسكاً فليهرق دماً لا أرى الاستدلال به مناسباً لأن من طاف رابكاً لا يقال إنه ترك نسكاً بل ترك الكمال في النسك، وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أن الركوب في الطواف ولو لغير عذر أو حاجة يجزئ ولا شيء فيه.
الثامن: اشتراط الطهارة من الحدث والنجس للطواف:
اختلف العلماء رحمهم الله في حكم اشتراط الطهارة من الحدث والنجس للطواف على قولين:
القول الأول: أن الطهارة شرط لصحة الطواف وهذا قول جماهير أهل العلم وهو مذهب المالكية والشافعية والمشهور من مذهب الحنابلة.
القول الثاني: أن الطهارة واجبة وهو مذهب الحنفية ورواية عن أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم.
الأدلة:
أدلة القول الأول: استدل القائلون باشتراط الطهارة من الحدث والنجس لصحة الطواف بأدلة منها:
الدليل الأول: ما رواه الترمذي والبيهقي وابن خريمة وغيرهم عن عطاء بن السائب عن طاوس عن ابن عباس أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه فلا يتكلم إلا بخير"(63).
مناقشة هذا الدليل: نوقش هذا الدليل من وجهين:
الوجه الأول: أن روايته مرفوعاً ضعيفة وأن الصحيح وقفه على ابن عباس قال الترمذي بعد سياقه له (وقد روي عن ابن طاوس وغيره عن طاوس عن ابن عباس موقوفاً، ولا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث عطاء بن السائب)(64).
وقال النووي في المجموع عن الحديث المذكور: (إنه مروي من رواية ابن عباس مرفوعاً بإسناد ضعيف (والصحيح) أنه موقوف على ابن عباس كذا ذكر البيهقي وغيره من الحفاظ)(65).
ويظهر لي والعلم عند الله تعالى أن الحديث لا تقل درجته عن الحسن مرفوعاً ذلك أن رفعه كما تقدم قد روي عن عطاء بن السائب وليث بن أسلم، وقد تقدم قول الشيخ تقي الدين في الإمام (وقد يقال: لعلّ اجتماعه – يعني طريق ليث – مع عطاء يقوي رفع الحديث) انتهى.
قلت ومما يؤيد أيضاً ما ذكرته أن ممن روى رفعه عن عطاء سفيان الثوري والثوري ممن سمع منه قبل اختلاطه.
قال ابن حجر في تلخيص الجبير: حديث روي أنه _صلى الله عليه وسلم_ قال: "الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام" الترمذي والحاكم والدارقطني من حيث ابن عباس، وصححه ابن السكن وابن خزيمة وابن حبان.
قلت وعلى فرض التسليم بأن الحديث موقوف على ابن عباس لأن من وقفوه أضبط وأوثق ممن رفعه فهو قول صحابي اشتهر ولم يعلم له مخالف من الصحابة رضي الله عنهم فيكون حجة.
قال النووي عن الحديث المذكور: قد سبق أن الصحيح أنه موقوف على ابن عباس وتحصل منه الدلالة أيضاً لأنه قول صحابي اشتهر ولم يخالفه أحد من الصحابة فكان حجة كما سبق بيانه في مقدمة هذا الشرح، وقول الصحابي أيضاً حجة عند أبي حنيفة(66).
الوجه الثاني من المناقشة من حيث المعنى:
قال من رأى عدم اشتراط الطهارة لصحة الطواف: إن الاحتجاج بقوله: "الطواف بالبيت صلاة" ضعيف فإن غايته أن يشبه بالصلاة في بعض الأحكام وليس المشبه كالمشبه به من كل وجه، وإنما المراد كالصلاة إما في الثواب أو في أصل الفرضية أو في اجتناب المحظورات التي تحرم خارج الصلاة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: والاحتجاج بقوله: "الطواف بالبيت صلاة" - يعني على اشتراط الطهارة – حجة ضعيفة، فإن غايته أن يشبه بالصلاة في بعض الأحكام، وليس المشبه كالمشبه به من كل وجه، وإنما أراد أنه كالصلاة في اجتناب المحظورات التي تحرم خارج الصلاة، فأما ما يبطل الصلاة وهو الكلام والأكل والشرب والعمل الكثير فليس بشيء من هذا مبطلاً للطواف، وإن كره فيه إذا لم يكن به حاجة إليه فإنه يشغل عن مقصوده كما يكره مثل ذلك عند القراءة والدعاء والذكر وهذا كقول النبي _صلى الله عليه وسلم_: "العبد في صلاة ما دام ينتظر الصلاة"، وقوله: "إذا خرج أحدكم إلى المسجد فلا يشبك بين أصابعه فإنه في صلاة".
ولهذا قال: "إلا أن الله أباح لكم فيه الكلام" ومعلوم أنه يباح فيه الأكل والشرب، وهذه محظورات الصلاة التي تبطلها: الأكل والشرب والعمل الكثير، ولا يبطل شيء من ذلك الطواف بل غايته أنه يكره فيه لغير حاجة كما يكره العبث في لاصلاة، ولو قطع الطواف لصلاة مكتوبة أو جنازة أقيمت بنى على طوافه، والصلاة لا تقطع لمثل ذلك، فليست محظورات الصلاة محظورات فيه ولا واجبات الصلاة واجبات فيه كالتحليل والتحريم، فكيف يقال: إنه مثل الصلاة فيما يجب لها ويحرم فيها؟ فمن أوجب له الطهارة الصغرى فلا بد له من دليل شرعي وما أعلم ما يوجب ذلك.
ثم تدبرت وتبين لي أن طهارة الحدث لا تشترط في الطواف ولا يجب فيه بلا ريب ولكن تستحب فيه الطهارة الصغرى فإن الأدلة الشرعية إنما تدل على عدم وجوبها، وليس في الشريعة ما يدل على وجوب الطهارة الصغرى فيه(67).
الدليل الثاني: ما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما عن عائشة رضي الله عنها أن أول شيء بدأ فيه حين قدم النبي _صلى الله عليه وسلم_ أنه توضأ ثم طاف.. الحديث(68).
وجه الدلالة من الحديث: هو أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ بدأ بالوضوء قبل الطواف لطوافه فدل على أنه لا بد للطواف من الطهارة، وفعله _صلى الله عليه وسلم_ هذا هو بيان للطواف المجمل في القرآن، إضافة إلى قوله _صلى الله عليه وسلم_ فيما رواه مسلم "لتأخذوا عني مناسككم" وهذا يقتضي لزوم كل فعل فعله _صلى الله عليه وسلم_ إلا ما قام دليل على عدم لزومه.
مناقشة هذا الدليل:
نوقش هذا الدليل بأن وضوءه _صلى الله عليه وسلم_ المذكور في هذا الحديث فعل مطلق وهو لا يدل على الوجوب فضلاً عن كونه شرطاً في الطواف.
الجواب عن تلك المناقشة:
قال الشينقيطي في أضواء البيان ما معناه: "إن وضوءه _صلى الله عليه وسلم_ لطوافه قد دل دليلان على أنه لازم لا بد منه":
أحدهما: أنه _صلى الله عليه وسلم_ قال في حجة الوداع: "خذوا عني مناسككم"، وهذا الأمر للوجوب والتحتم، فلما توضأ للطواف لزمنا أن نأخذ عنه الوضوء للطواف امتثالاً لأمره في قوله: "خذوا عني مناسككم".
والدليل الثاني: أن فعله في الطواف من الوضوء له ومن هيئته التي أتى به عليها كلها بيان وتفصيل لما أجمل في قوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: من الآية29)، وقد تقرر في الأصول أن فعل النبي _صلى الله عليه وسلم_ إذا كان لبيان نص من كتاب الله فهو على اللزوم والتحتم، ولذا أجمع العلماء على قطع يد السارق من الكوع، لأن قطع النبي _صلى الله عليه وسلم_ للسارق من الكوع بيان وتفصيل لما أجمل في قوله تعالى: (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) (المائدة: من الآية38)؛ لأن اليد تطلق على العضو إلى المرفق، وإلى المنكب.
وقال النووي في المجموع: واحتج أصحابنا بحديث عائشة: "أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أول شيء بدأ به حين قدم مكة أن توضأ ثم طاف بالبيت" رواه البخاري ومسلم.
وثبت في صحيح مسلم من رواية جابر أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال في آخر حجته: "لتأخذوا عني مناسككم" قال أصحابنا ففي الحديث دليلان (أحدهما) أن طوافه _صلى الله عليه وسلم_ بيان للطواف المجمل في القرآن (والثاني) قوله _صلى الله عليه وسلم_: "لتأخذوا عني مناسككم" يقتضي وجوب كل ما فعله إلا ما قام دليل على عدم وجوبه(69).
الدليل الثالث: أن الطواف عبادة متعلقة بالبيت فكانت الطهارة وغيرها شرطاً فيها كالصلاة(70).
مناقشة هذا الدليل:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذا القياس فاسد، فإنه يقال لا نسلم أن العلة في الأصل كونها متعلقة بالبيت، ولم يذكروا دليلاً على ذلك، والقياس الصحيح ما بين فيه أن المشترك بين الأصل والفرع هو علة الحكم أو دليل العلة.
وأيضاً فالطهارة إنما وجبت لكونها صلاة سواء تعلقت بالبيت أو لم تتعلق، ألا ترى أنهم لما كانوا يصلون إلى الصخرة كانت الطهارة أيضاً شرطاً فيها ولم تكن متعلقة بالبيت، وكذلك أيضاً إذا صلى إلى غير القبلة كما يصلي المتطوع في السفر وكصلاة الخوف راكباً فإن الطهارة شرط وليست متعلقة بالبيت، وأيضاً فالنظر إلى البيت عبادة متعلقة بالبيت ولا يشترط له الطهارة ولا غيرها، ثم هناك عبادة من شرطها المسجد ولم تكن الطهارة شرطاً فيها كالاعتكاف، وقد قال تعالى: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (البقرة: من الآية125)، فليس إلحاق الطائف بالراكع الساجد بأولى من إلحاقه بالعاكف أشبه لأن المسجد شرط في الطواف والعكوف وليس شرطاً في الصلاة(71).
قلت وقد ناقش هذا الدليل أيضاً ابن القيم رحمه الله بنحو من مناقشة شيخ المتقدمة(72).
الدليل الرابع: ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "قدمت مكة وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة. قالت: فشكوت ذلك إلى رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال: افعلي كما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري" وفي رواية لمسلم (حتى تغتسلي)(73).
وجه الدلالة ظاهرة وهو أنه _صلى الله عليه وسلم_ نهاها عن الطواف بالبيت حتى تطهر، وهذا يدل على اشتراط الطهارة للطواف.
مناقشة هذا الدليل:
نوقش هذا الدليل بأن منع الحائض من الطواف بالبيت من أجل أنها ممنوعة من دخول المسجد(74) لما رواه أبو داود والبيهقي أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "لا أحل المسجد لجنب ولا حائض".
الجواب على تلك المناقشة:
قال النووي: فإن قيل إنما نهاها لأن الحائض لا تدخل المسجد (قلنا) هذا فاسد لأنه _صلى الله عليه وسلم_ قال: "حتى تغتسلي"(75) ولم يقل حتى ينقطع دمك، وبحديث ابن عباس السابق "الطواف بالبيت صلاة"، وقد سبق أن الصحيح أنه موقوف على ابن عباس وتحصل منه الدلالة أيضاً لأنه قول صحابي اشتهر ولم يخالفه أحد من الصحابة فكان حجة(76).
أدلة القول الثاني:
استدل أهل القول الثاني وهم الذين يرون أن الطهارة في الطواف واجبة وليست بشرط بعموم قوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: من الآية29).
وجه الدلالة لهم هو أن الأمر بالطواف مطلق عن شرط الطهارة فمن طاف به وإن كان على غير طهارة فقد طاف به، ولأن الطواف فعل من أفعال الحج فلم تكن الطهارة شرطاً فيه كالسعي والوقوف(77).
مناقشة هذا الدليل:
يناقش هذا الدليل بأن الآية عامة ومطلقة ليس فيها دلالة على اشتراط الطهارة ولا على عدمه، لكن بيّن ذلك فعله _صلى الله عليه وسلم_ فقد توضأ ثم طاف، وقد قال: "لتأخذوا عني مناسككم" كما أنه _صلى الله عليه وسلم_ أمر عائشة لما حاضت أن تفعل جميع المناسك غير الطواف بالبيت مما يدل على اشتراط الطهارة له، وهذا بخلاف السعي والوقوف فلا تجب لهما الطهارة، ولهذا لم يستثن _صلى الله عليه وسلم_ مما لا تفعله الحائض مما يفعله الحاج غير الطواف بالبيت.
هذا وقد استدل الحنفية أيضاً بأن اشتراط الطهارة في الطواف زيادة على النص ومثل هذه الزيادة لا تثبت بخبر الواحد ولا بالقياس لأن الركنية لا تثبت إلا بالنص بخلاف الوجوب فيثبت بخبر الواحد(78).
قلت وما ذكره الحنفية من أن اشتراط الطهارة في الطواف زيادة على النص ومثل هذه لا تثبت بخبر الواحد.. إلخ، فالجواب عنه أن الجمهور قد خالفوهم فقالوا بثبوت مثل ذلك بخبر الواحد كما هو مقرر في الأصول وذلك أن العموم وخبر الواحد دليلان متعارضان وخبر الواحد أخص من العموم فوجب تقديمه.
ثمرة الخلاف:
ثمرة الخلاف ظاهرة وهي أن من قال باشتراط الطهارة لصحة الطواف فإنه لا يصح الطواف لو طاف محدثاً أو نجساً.
ومن قال بوجوب الطهارة فإن الطواف صحيح(79) لكن اختلف أهل هذا القول في وجوب الدم، فذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى سقوط الدم عن الحائض وعن كل معذور، وهو رواية عن أحمد في الناسي(80)، وذهب الباقون وهم الحنفية وأحمد في الرواية عنه إلى وجوب الدم، غير أن الحنفية قالوا الحائض والجنب عليه بدنة، والمحدث عليه شاة، وأما أحمد فأوجب دماً ولم يعين بدنة(81).
الترجيح:
قلت والذي يترجح لي والعلم عند الله تعالى التفريق بين الحدث الأكبر والأصغر، فمن حدثه أكبر كالحائض والنفساء والجنب فالطهارة شرط ما لم تكن هناك ضرورة قصوى بالنسبة للحائض والنفساء لما سيأتي إيضاحه، أما من حدثه أصغر أو طاف نجساً فالطهارة واجبة لا شرط فيصح طوافه، وهل يجبره بدم؟ أرى أنه إن ترك الطهارة لعذر أن لا شيء عليه لعذره ولأنه في الحقيقة لم يترك نسكاً فقد جاء به لكنه على غير طهارة، أما إن ترك الطهارة لغير عذر فالقول بوجوب الدم عليه قوي متجه.
هذا وقد قلت بهذا التفريق بناءً على ما فهمته من الأدلة السابقة، ذلك أنّ دلالة اشتراط الطهارة من الحيض والنفاس لصحة الطواف جاءت بأحاديث صريحة وصحيحة، ويقاس على الحائض والنفساء الجنب بجامع الحدث الأكبر في الكل.
أما الطهارة فيما عدا ذلك فالأحاديث ليست صريحة في اشتراطها، توضيح هذا التفريق ما تقدم من حديث عائشة رضي الله عنها في قصة حيضها والمخرج في الصحيحين والذي فيه قوله _صلى الله عليه وسلم_: "افعلي ما يفعله الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري" وفي رواية لمسلم "حتى تغتسلي"، فهذا الحديث صريح في اشتراط الطهارة من الحيض لصحة الطواف، لأنه _صلى الله عليه وسلم_ نهاها عن الطواف حتى تطهر وتغتسل معاً.
وجاء في الصحيحن أيضاً عن عائشة رضي الله عنها قالت: "حججنا مع رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ فأفضنا يوم النحر، فحاضت صفية، فأراد النبي _صلى الله عليه وسلم_ منها ما يريد الرجل من أهله، فقلت يا رسول الله إنها حائض، قال: "حابستنا هي" وفي رواية "أحابستنا هي" قالوا يا رسول الله أفاضت يوم النحر قال: "اخرجوا" وفي رواية لمسلم "فلتنفر" وفي رواية "فلتنفر معكم"(82).
فهذا الحديث صريح في أن صفية لو لم تطف طواف الإفاضة لكان حيضها مانعاً وحابساً للرسول _صلى الله عليه وسلم_ حتى تطهر، وهذا يدل على اشتراط طهارة الحائض لصحة الطواف، ويقاس عليها النفساء والجنب كما تقدم.
أما الطهارة فيما عدا ذلك فالأحاديث ليست صريحة في اشتراطها لصحة الطواف إذ غاية ما استدل به على ذلك هو وضوء النبي _صلى الله عليه وسلم_ قبل طوافه وهو غير صريح في اشتراط الطهارة كما تقدم بيانه في مناقشة الاستدلال به.
كما استدلوا بحديث ابن عباس "الطواف بالبيت صلاة" وهو على فرض صحته مرفوعاً ليس صريحاً في اشتراط الطهارة أيضاً بل الاستدلال به ضعيف فإن غايته أن يشبه بالصلاة في بعض الأحكام، وليس المشبه كالمشبه به من كل وجه، وقد تقدم تفصيل ذلك في مناقشة الاستدلال به.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والذين أوجبوا الوضوء للطواف ليس معهم دليل أصلاً، وما روي أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ لما طاف توضأ" فهذا لا يدل فإنه كان يتوضأ لكل صلاة(83).
هذا ما ترجح لي في هذه المسألة الوعرة المسلك، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
-----------------------------
(1) انظر على سبيل المثال: كشاف القناع للبهوتي 2/485، فقد ذكر أنه يشترط لصحة الطواف ثلاثة عشر شيئاً... فذكر منها الإسلام والعقل والنية.
(2) مسند الإمام أحمد 6/100 و101 و104، وسنن أبي داود تحت رقم (4398) وسنن ابن ماجه تحت رقم (2041) قال الزيلعي في نصب الراية 4/162 ورواه الحاكم في كتاب المستدرك في أواخر الصلاة وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه انتهى. ولم يعله الشيخ في (الإمام) بشيء وإنما قال هو أقوى إسناداً من حديث علي، انتهى.
(3) صحيح البخاري 1/3 في أول باب من صحيحه (باب كيف كان بدد الوحي) وصحيح مسلم 6/48.
(4) صحيح مسلم 4/79 وسنن أبي داود تحت رقم (1970) وسنن النسائي 2/50 والترمذي 1/168.
(5) كتاب متن الإيضاح في المناسك للنووي ص 72.
(6) (الحِجْر) بكسر الحاء وإسكان الجيم هو الذي تسميه العامة بحجر إسماعيل، وهو في الحقيقة ليس بحجر لإسماعيل، وإنما يطلق عليه اسم الحِجْر أو الجَدْر، بفتح الجيم وسكون الدال ويطلق عليه أيضاً (الجدار) وقد جاءت الأحاديث بكل هذه المعاني، وهو ما بين الركن الشامي والغربي وأرضه وجُدُره مفروشة بالرخام، وهو مستو بالشاذروان التي تحت الكعبة، هذا (والشاذروان هو القدر الذي ترك من عرض الأساسي خارجاً عن عرض الجدار مرتفعاً عن وجه الأرض قدر ثلثي ذراع)، هذا والحِجْر محوط مدور على شكل نصف دائرة، وقد جاءت أحاديث صحيحة أنه من البيت.
(7) صحيح البخاري 2/123 في (باب فضل مكة وبنيانها) وصحيح مسلم 4/97 وما بعدها.
(8) صحيح مسلم 4/98 وما بعدها.
(9) انظر القوانين الفقهية لابن جزي ص 89، وكتاب متن الإيضاح للنووي ص 73، وكشاف القناع 2/485، وجاء في كتاب متن الإيضاح للنووي ص 73: أما الشاذروان: فهو القدر الذي ترك من عرض الأساس خارجاً عن عرض الجدار مرتفعاً عن وجه الأرض قدر ثلثي ذراع، قال أبو داود الأزرقي في كتابه تاريخ مكة: طول الشاذروان في السماء ستة عشر أصبعاً وعرضه ذراع، قال والذراع أربع وعشرون أصبعاً، قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: هذا الشاذروان جزء من البيت نقصته قريش من أصل الجدار حين بنوا البيت، وهو ظاهر في جوانب البيت، لكن لا يظهر عند الحجر الأسود، وقد أحدث في هذه الأزمان عنده شاذروان، ولو طاف خارج الشاذروان، وكان يضع إحدى رجليه أحياناً على الشاذروان ويقفز في الأخرى لم يصح طوافه.
(10) ليس المقصود بتعيين النية هنا للطواف أصل نية الطواف، فقد تقدم أنه محل إجماع، وإنما المقصود تعيين النية للطواف الذي يريده الطائف من طواف إفاضة أو وداع أو تطوع... إلخ.
(11) انظر المغني 3/441، والمجموع شرح المهذب 8/14 و 18.
(12) صحيح البخاري 1/3 في (باب كيف كان بدء الوحي) وصحيح مسلم 6/48.
(13) سنن الترمذي 2/217 برقم (967) وانظر شرح معاني الآثار للطحاوي 2/1178 وسنن البيهقي 5/85 ورواه ابن خزيمة برقم (2739).
(14) انظر بدائع الصنائع 2/128 والمجموع شرح المهذب 8/18.
(15) انظر بدائع الصنائع 2/128 وما بعدها والمجموع شرح المهذب 8/12 وما بعدها.
(16) انظر في مذهب المالكية مواهب الجليل 3/67 والقوانين الفقهية لابن جزي ص 89، وفي مذهب الشافعية روضة الطالبين 3/79 والمجموع شرح المهذب 8/14 وكتاب متن الإيضاح ص 69 وفي مذهب الحنابلة كشاف القناع 2/485 والمغني 3/377 ونيل المآرب 1/307.
(17) وفي مذهب الحنفية بدائع الصنائع 2/129 والمبسوط للسرخسي ج4 ص 39 وما بعدها.
(18) لفظ البخاري كلفظ مسلم إلا أنه قال: (ألا: لا يحج) بدل لفظ مسلم (لا يحج).
(19) صحيح البخاري 2/128 في (باب لا يطوف بالبيت عريان ولا يحج مشرك) وصحيح مسلم 4/106 وما بعدها في (باب لا يحج بالبيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان).
(20) الحديث روي مرفوعاً وموقوفاً، وقد رجح بعض العلماء الموقوف. انظر: نصب الراية 3/57 وما بعدها.
(21) انظر المبسوط للسرخسي 4/39 وما بعدها وبدائع الصنائع 2/129 وما بعدها.
(22) جامع البيان عن تأويل آي القرآن لابن جرير الطبري 5/160 وما بعدها.
(23) انظر في مذهب المالكية مواهب الجليل 3/64، والقوانين الفقهية لابن جزي ص 89، وفي مذهب الشافعية، المجموع ج8 ص 21، وانظر في مذهب الحنابلة كشاف القناع 2/485، ونيل المآرب 1/307.
(24) انظر في مذهب الحنفية المبسوط 4/42، وبدائع الصنائع 2/132.
(25) صحيح البخاري 2/129 في (باب من صلى ركعتين خلف المقام)، وصحيح مسلم 4/53 في (باب ما يلزم من أحرم بالحج ثم قدم مكة من الطواف والسعي).
(26) صحيح البخاري 2/127، وصحيح مسلم 4/63.
(27) صحيح مسلم 4/39 وما بعدها.
(28) وترك الواجب يجبر بدم عندهم وهو شاة.
(29) انظر المبسوط للسرخسي 4/42 وما بعدها وبدائع الصنائع 2/132.
(30) انظر: بدائع الصنائع 2/130.
(31) انظر: القوانين الفقهية لابن جزي ص 89.
(32) انظر: الإنصاف للمرداوي 4/19.
(33) انظر: كشاف القناع للبهوتي 2/485.
(34) انظر: بدائع الصنائع 2/130.
(35) انظر: المجموع شرح المهذب 8/32.
(36) انظر: المغني لابن قدامة 3/371 وما بعدها.
(37) صحيح البخاري 2/126، وصحيح مسلم 4/63.
(38) صحيح مسلم 4/63 وما بعدها.
(39) انظر في مذهب المالكية: مواهب الجليل 3/69، والقوانين الفقهية لابن جزي ص 89، والمنتقى شرح موطأ مالك 2/283، وانظر في مذهب الشافعية: المجموع 8/14، وكتاب متن الإيضاح ص 72، وانظر في مذهب الحنابلة الإنصاف للمرداوي 4/19، وكشاف القناع 2/485.
(40) انظر في مذهب الحنفية: بدائع الصنائع 2/130، والمبسوط 4/44.
(41) صحيح مسلم 4/43.
(42) انظر المجموع شرح المهذب 8/30، والمغني لابن قدامة 3/383.
(43) انظر المبسوط للسرخسي 4/44، بدائع الصنائع 2/131.
(44) المقصود بالموالاة هنا الموالاة بين أشوطة الطواف بأن يأتي بها جميعاً من غير فصل إلا لعذر وضرورة، أو فصل يسير عرفاً فإن هذت لا يضر في قول عامة العلماء.
(45) انظر في مذهب المالكية: المنتقى شرح موطأ مالك 2/290، والقوانين الفقهية لابن جزي ص 89، وانظر في مذهب الحنابلة كشاف القناع 2/483، والإنصاف 4/17، والمغني 3/395، وانظر ما ذكرته عن الشافعية: كتاب متن الإيضاح ص 82، والمجموع شرح المهذب 8/47.
(46) انظر في مذهب الحنفية المبسوط 4/48، وبدائع الصنائع 2/130، وفتح القدير 2/389. وانظر في مذهب الشافعية المجموع 8/47، ومتن الإيضاح ص 82، وما ذكرته من الرواية عند الحنابلة: انظر الإنصاف 4/17.
(47) جماهير أهل العلم على أنه يجوز الفصل اليسير وكذا الفصل بين أشواط الطواف للصلاة المكتوبة ولو طال، ثم إذا فرغ منها أكمل طوافه، هذا واختلف القائلون باشتراط الموالاة عن حكم قطعه لغير الصلاة المكتوبة كصلاة الجنازة أو لعذر.
والذي يترجح لي والعلم عند الله تعالى جواز الفصل لصلاة الجنازة، وللعذر والحاجة وبأنه إذا لم يطل الفصل عرفاً يبني على طوافه ومن الموضع الذي وصل إليه ويعتد ببعض الشوط الذي فعله قبل قطع الطواف والله أعلم.
(48) انظر المغني لابن قدامة 3/396، والمنتقى للباجي 2/290.
(49) المبسوط 4/48، وبدائع الصنائع 2/1130.
(50) حديث أنه _صلى الله عليه وسلم_ شرب في طوافه ذكره عبد الرزاق في مصنفه 5/497 تحت رقم (9796)، ونصه عبد الرزاق عن صاحب له عن ابن أبي ليلى عن عكرمة بن خالد قال: أخبرني شيخ من آل وداعة أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ شرب وهو يطوف بالبيت، انتهى.
وجاء في سنن البيهقي ومعه الجوهر النقي (باب الشرب في الطواف) قال الشافعي في الإملاء روي عن ابن عباس أنه شرب وهو يطوف فجلس على جدار الحِجْر، وروي من وجه لا يثبت أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ شرب وهو يطوف.
قلت: وقد أشار ابن حجر في حاشيته على شرح الإيضاح ص 255 إلى صحة حديث شربه _صلى الله عليه وسلم_ في الطواف حيث قال على قول النووي: (ويكره الأكل والشرب في الطواف) قال: (قوله: الأكل إلخ) لا ينافيه ما صح أنه _صلى الله علي