ظهرت في العقود الثلاثة الماضية العديد من الدراسات والأبحاث والمؤلفات التي تهتم بدراسة العلاقة بين الدين الإسلامي وأساليب التصدي لأمراض العصر، ودور فرائض الإسلام؛ من صلاة وصوم وزكاة وحج... في علاج مثل هذه الأمراض، سواء أكانت أمراضاً عضوية أو نفسية، ومحاربتها. والكثير من العلماء والمفكرين الذين تحدثوا عن هذا الأمر أكدوا على حقيقة في غاية الأهمية، وهي أن درجة تعمق الإنسان وتعلقه وامتثاله لتعاليم دينه، تلعب دوراً مؤثراً في وصوله إلى الطريق الصحيح للشفاء. هذا ما أثبته الطب الحديث الذي جاءت غالبية نتائج تجاربه مطابقة تماماً لما تحدث عنه الإسلام وقرره. فالإسلام، حسب دراسة أجراها الباحثان معين خان وميخائيل، حول "الاضطرابات المتعلقة بالتوتر"، يتميز من بين الديانات العظمى في العالم بأنه يحمل اسماً يشير إلى مغزاه الحقيقي، حيث إنه من خلال الصلاة اليومية المنتظمة، يتحقق نمو الذات، ومن ثم يستطيع الإنسان أن يشكل تكيفه مع ضغط المرض. وهناك دراسات علمية تؤيد ما ذهب إليه الباحثان، وتفيض في شرح الحقائق العلمية حول موضوعات كهذه.
وكل يوم تظهر لنا المختبرات والمراكز البحثية والعلمية حقائق جديدة عن مثل هذه الفوائد التي تتحقق من وراء القيام بفرائض الإسلام في علاج أمراض الجسد، العضوية والنفسية، نرى ذلك في الصلاة والصوم والزكاة، وكذلك تلاوة القرآن والاستماع إليه، لما فيه من شفاء ثبت بالممارسة والتجربة.
وفي كتابه "إحياء علوم الدين"، لم يتوقف الإمام الغزالي عند الفوائد الصحية فقط، بل انتقل إلى الهدف الأعمق لهذا الدين حين لاحظ أن "المقصود من الصوم التخلق بخلق من أخلاق الله عز وجل وهو الصمدية، والاقتداء بالملائكة في الكف عن الشهوات بحسب الإمكان، فإنهم منزهون عن الشهوات، والإنسان رتبته فوق البهائم لقدرته بنور العقل على كسر شهوته ودون رتبة الملائكة لاستيلاء الشهوات عليه، وكونه مبتلياً بمجاهدتها، فكلما انهمك في الشهوات انحط إلى أسفل السافلين والتحق بغمار البهائم، وكلما قمع الشهوات ارتفع إلى أعلى عليين والتحق بأفق الملائكة، والملائكة مقربون من الله عز وجل، والذي يقتدي بهم ويتشبه بأخلاقهم يقرب من الله كقربهم".
وفي كتابه "الإسلام طبيب أمراض العصر"، جمع أحمد الموصلي الكثير من الحقائق العلمية حول مثل هذه الفوائد، ويشير إلى ما أجمع عليه علماء الغرب والإسلام حول هذه العلاقة بين الدين وعلاج أمراض العصر، وخلاصته أن التقدم الحضاري الذي تحقق للغرب، علمياً وتقنياً، لم يحقق الراحة النفسية والسعادة المروحية باعتبارهما هدفاً إنسانياً، وذلك بسبب غياب الدين واتساع مساحة الفراغ الروحي. فالولايات المتحدة، رغم انجازاتها الكبرى في العلم والفكر والفن والتقنية وعلوم الفضاء وفي الحياة المعنوية والسياسية، إلا أن عشرات الآلاف من شبابها يهربون من الواقع، بإدمان المخدرات والكحول، ويعيش عشرات الآلاف من مسنيها وعجزتها في خمول ويموتون وحيدين. أمة لا يجد الملايين فيها سبيلا إلى ترويض قلقهم واضطرابهم إلا باللجوء إلى العقاقير المهدئة.
ونظرة واحدة إلى الإحصائيات المرضية في العالم المتقدم خير دليل على خطر الابتعاد عن الدين، فالمعادلة المهمة التي يضعها "الموصلي" حول إفرازات هذه الحضارة هي قوله: إن لائحة إنجازات هذه الحضارة على المستوى التكنولوجي، تقابلها لائحة الأمراض العضوية والنفسية والفكرية والفلسفية... وحتى العلمية.
الصعود إلى القمر واكتشاف الفضاء، إنجاز كبير بلا شك، لكن القنابل النووية وصواريخها وحروب البشر القائمة، خير دليل على التأجيل المتواصل للنظر في كينونة الإنسان، لحساب التكنولوجيا المضرة. إنها حضارة تأكل الإنسان لتعيش. وبإحصاء عدد القتلى في حروب القرن العشرين، والذي اعتدنا تسميته قرن العقل والعلم والتكنولوجيا، يتضح أنه مات في هذا القرن، نتيجة الحروب واستخدام الأسلحة النارية، ما يتجاوز سائر قتلى التاريخ البشري. وهذا ما يؤكد عليه أيضاً "بريجينسكي" في كتابه "الفوضى"، حيث قال إن عدد ضحايا القرن العشرين يتجاوز 167 مليوناً من البشر نتيجة المذابح ذات الدافع السياسي، أي ما يتجاوز مجموع من قتلوا في الحروب السابقة أو الصراعات الأهلية أو الدينية على مر التاريخ البشري قبل القرن العشرين.