أخبر الله سبحانه وتعالى ملائكة بأنه سيخلق بشرا خليفة في الأرض
فقالت الملائكة
(أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ).
ويوحي قول الملائكة هذا بأنه كان لديهم تجارب سابقة في الأرض
ما يجعلهم يتوقعون أنه سيفسد في الأرض , وأنه سيسفك الدماء
ثم هم يرون التسبيح بحمد الله والتقديس له , هو وحده الغاية للوجود
وهو متحقق بوجودهم هم , يسبحون بحمد الله ويقدسون له
عندئذ جاءهم القرار من العليم بكل شيء , والخبير بمصائر الأمور
(إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)
وما ندري نحن كيف قال الله أو كيف يقول للملائكة
وما ندري كذلك كيف يتلقى الملائكة عن الله
فلا نعلم عنهم سوى ما بلغنا من صفاتهم في كتاب الله
أدركت الملائكة أن الله سيجعل في الأرض خليفة
وأصدر الله سبحانه وتعالى أمره إليهم تفصيلا
فقال إنه سيخلق بشرا من طين
فإذا سواه ونفخ فيه من روحه
فيجب على الملائكة أن تسجد له
والمفهوم أن هذا سجود تكريم لا سجود عبادة
لأن سجود العبادة لا يكون إلا لله وحده
جمع الله سبحانه وتعالى قبضة من تراب الأرض
فيها الأبيض والأسود والأصفر والأحمر
ولهذا يجيء الناس ألوانا مختلفة
ومزج الله تعالى التراب بالماء فصار صلصالا من حمأ مسنون
تعفن الطين وانبعثت له رائحة
وكان إبليس يمر عليه فيعجب أي شيء يصير هذا الطين؟
سجود الملائكة لآدم
من هذا الصلصال خلق الله تعالى آدم
سواه بيديه سبحانه
ونفخ فيه من روحه سبحانه
فتحرك جسد آدم ودبت فيه الحياة
فتح آدم عينيه فرأى الملائكة كلهم ساجدين له
ما عدا إبليس الذي كان يقف مع الملائكة
ولكنه لم يكن منهم، لم يسجد
فهل كان إبليس من الملائكة ؟
الظاهر أنه لا . لأنه لو كان من الملائكة ما عصى
. فالملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون
أما كيف كان السجود ؟ وأين ؟ ومتى ؟
كل ذلك في علم الغيب عند الله
فوبّخ الله سبحانه وتعالى إبليس
(قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ)
وبدلا من التوبة والأوبة إلى الله تبارك وتعالى
ردّ إبليس بمنطق يملأه الكبر والحسد
(قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ)
هنا صدر الأمر الإلهي العالي بطرد هذا المخلوق المتمرد القبيح
(قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ)
وإنزال اللعنة عليه إلى يوم الدين
قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ
لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ
هنا تحول الحسد إلى حقد
وإلى تصميم على الانتقام في نفس إبليس
وبهذا تحدد منهجه وتحدد طريقه
إنه يقسم بعزة الله ليغوين جميع الآدميين
لا يستثني إلا من ليس له عليهم سلطان
لا تطوعاً منه ولكن عجزاً عن بلوغ غايته فيهم
وبهذا يكشف عن الحاجز بينه وبين الناجين من غوايته وكيده
والعاصم الذي يحول بينهم وبينه . إنه عبادة الله
التي تخلصهم لله . هذا هو طوق النجاة . وحبل الحياة
فهي المعركة إذن بين الشيطان وأبناء آدم
يخوضونها على علم
والعاقبة مكشوفة لهم في وعد الله الصادق الواضح المبين
وعليهم تبعة ما يختارون لأنفسهم بعد هذا البيان
وقد شاءت رحمة الله ألا يدعهم جاهلين ولا غافلين
فأرسل إليهم المنذرين
تعليم آدم الأسماء
ثم يروي القرآن الكريم قصة السر الإلهي العظيم
الذي أودعه الله هذا الكائن البشري
وهو يسلمه مقاليد الخلافة
(وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا)
سر القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات
سر القدرة على تسمية الأشخاص والأشياء بأسماء يعلمها
أما الملائكة فلا حاجة لهم بهذه الخاصية
لأنها لا ضرورة لها في وظيفتهم
فلما علم الله آدم هذا السر
وعرضه على الملائكة لم يعرفوا الأسماء
لم يعرفوا كيف يضعون الرموز اللفظية للأشياء والشخوص
وجهروا أمام هذا العجز بتسبيح ربهم
والاعتراف بعجزهم , والإقرار بحدود علمهم
ثم قام آدم بإخبارهم بأسماء الأشياء
ثم كان هذا التعقيب الذي يردهم إلى إدراك حكمة العليم الحكيم
(قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ)
أإن نجاح الإنسان في معرفة هذين الأمرين (الخالق وعلوم الأرض)0
يكفل له حياة أرقى فكل من الأمرين مكمل للآخر
سكن آدم وحواء في الجنة
اختلف المفسرون في كيفية خلق حواء
ولا نعلم إن كان الله قد خلق حواء في نفس وقت خلق آدم أم بعده
لكننا نعلم أن الله سبحانه وتعالى أسكنهما معا في الجنة
لا نعرف مكان هذه الجنة
فقد سكت القرآن عن مكانها واختلف المفسرون فيها على خمسة وجوه
قال بعضهم: إنها جنة المأوى، وأن مكانها السماء
ونفى بعضهم ذلك
لأنها لو كانت جنة المأوى لحرم دخولها على إبليس
ولما جاز فيها وقوع عصيان
وقال آخرون: إنها جنة المأوى خلقها الله لآدم وحواء
وقال أكثرهم: إنها جنة من جنات الأرض
تقع في مكان مرتفع
وذهب فريق إلى التسليم في أمرها والتوقف
ونحن نختار هذا الرأي
كان الله قد سمح لآدم وحواء بأن يقتربا من كل شيء
وأن يستمتعا بكل شيء، ما عدا شجرة واحدة
فأطاع آدم وحواء أمر ربهما بالابتعاد عن الشجرة
غير أن آدم إنسان، والإنسان ينسى، وقلبه يتقلب، وعزمه ضعيف
واستغل إبليس إنسانية آدم وجمع كل حقده في صدره
واستغل تكوين آدم النفسي
وراح يثير في نفسه ويوسوس إليه
(هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى)
وأقسم إبليس لآدم أنه صادق في نصحه لهم
ولم يكن آدم عليه السلام بفطرته السليمة يظن أن هنالك من يقسم بالله كذبا
فضعف عزمه ونسي وأكل من الشجرة هو وحواء
ليس صحيحا ما تذكره صحف اليهود من إغواء حواء لآدم
وتحميلها مسئولية الأكل من الشجرة
إن نص القرآن لا يذكر حواء
إنما يذكر آدم كمسئول عما حدث
وهكذا أخطأ الشيطان وأخطأ آدم
أخطأ الشيطان بسبب الكبرياء، وأخطأ آدم بسبب الفضول
لم يكد آدم ينتهي من الأكل حتى اكتشف أنه أصبح عار
وأن زوجته عارية
وبدأ هو وزوجته يقطعان أوراق الشجر لكي يغطي بهما كل واحد منهما جسده العاري
ولم تكن لآدم تجارب سابقة في العصيان
فلم يعرف كيف يتوب
، فألهمه الله سبحانه وتعالى عبارات التوبة
(قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
وأصدر الله تبارك وتعالى أمره بالهبوط من الجنة
هبوط آدم وحواء إلى الأرض
وهبط آدم وحواء إلى الأرض. واستغفرا ربهما وتاب إليه
وأخبرهما الله أن الأرض هي مكانهما الأصلي
يعيشان فيهما، ويموتان عليها، ويخرجان منها يوم البعث
يتصور بعض الناس أن خطيئة آدم بعصيانه هي التي أخرجتنا من الجنة
لا ولولا هذه الخطيئة لكنا اليوم هناك
وهذا التصور غير منطقي
لأن الله تعالى حين شاء أن يخلق آدم قال للملائكة
إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً
ولم يقل لهما إني جاعل في الجنة خليفة
لم يكن هبوط آدم إلى الأرض هبوط إهانة
وإنما كان هبوط كرامة
كان الله تعالى يعلم أن آدم وحواء سيأكلان من الشجرة
ويهبطان إلى الأرض
أما تجربة السكن في الجنة فكانت ركنا من أركان الخلافة في الأرض
ليعلم آدم وحواء ويعلم جنسهما من بعدهما أن الشيطان طرد الأبوين من الجنة
وأن الطريق إلى الجنة يمر بطاعة الله وعداء الشيطان
هابيل وقابيل
لا يذكر لنا المولى عزّ وجلّ في كتابه الكريم
الكثير عن حياة آدم عليه السلام
لكن القرآن الكريم يروي قصة ابنين من أبناء آدم هما هابيل وقابيل
وحكى القرآن أول جريمة قتل في الأرض
وكانت قصتهما كالتالي
كانت حواء تلد في البطن الواحد ابنا وبنتا
وفي البطن التالي ابنا وبنت
فيحل زواج ابن البطن الأول من البطن الثاني
ويقال أن قابيل كان يريد زوجة هابيل لنفسه
فأمرهما آدم أن يقدما قربانا
فقدم كل واحد منهما قربانا، فتقبل الله من هابيل ولم يتقبل من قابيل
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا
فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ
قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ
لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي
مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ
إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ
لاحظ كيف ينقل إلينا الله تعالى كلمات القتيل الشهيد
ويتجاهل تماما كلمات القاتل
عاد القاتل يرفع يده مهددا.. قال القتيل في هدوء
إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ
انتهى الحوار بينهما وانصرف الشرير وترك الطيب مؤقتا
بعد أيام.. كان الأخ الطيب نائما وسط غابة مشجرة
فقام إليه أخوه قابيل فقتله
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل
جلس القاتل أمام شقيقه الملقى على الأرض
كان هذا الأخ القتيل أول إنسان يموت على الأرض
ولم يكن دفن الموتى شيئا قد عرف بعد
وحمل الأخ جثة شقيقه وراح يمشي بها
ثم رأى القاتل غرابا حيا بجانب جثة غراب ميت
وضع الغراب الحي الغراب الميت على الأرض
وساوى أجنحته إلى جواره وبدأ يحفر الأرض بمنقاره
ووضعه برفق في القبر وعاد يهيل عليه التراب
بعدها طار في الجو وهو يصرخ
اندلع حزن قابيل على أخيه هابيل كالنار فأحرقه الندم
اكتشف أنه وهو الأسوأ والأضعف، قد قتل الأفضل والأقوى
. نقص أبناء آدم واحدا. وكسب الشيطان واحدا من أبناء آدم
واهتز جسد القاتل ببكاء عنيف ثم أنشب أظافره في الأرض وراح يحفر قبر شقيقه
قال آدم حين عرف القصة
(هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ)
وحزن حزنا شديدا على خسارته في ولديه
مات أحدهما، وكسب الشيطان الثاني
صلى آدم على ابنه، وعاد إلى حياته على الأرض
إنسانا يعمل ويشقى ليصنع خبزه. ونبيا يعظ أبنائه وأحفاده
ويحدثهم عن الله ويدعوهم إليه، ويحكي لهم عن إبليس ويحذرهم منه
ويروي لهم قصته هو نفسه معه، ويقص لهم قصته مع ابنه الذي دفعه لقتل شقيقه
موت آدم عليه السلام
وكبر آدم. ومرت سنوات وسنوات
وعن فراش موته، يروي أبي بن كعب، فقال
إن آدم لما حضره الموت قال لبنيه: أي بني
إني أشتهي من ثمار الجنة